Warning: getimagesize(https://www.noornews.net//wp-content/uploads/2017/10/IMG_9090.jpg): Failed to open stream: HTTP request failed! HTTP/1.1 404 Not Found in /home/noornews/public_html/wp-content/plugins/easy-social-share-buttons3/lib/modules/social-share-optimization/class-opengraph.php on line 601
المحافظات

من يشتريك من السهل أن يبيعك !

بقلم د. عائشة الخواجا الرازم

بلغت رقعة المملكة العباسية في أوج جبروتها اتساعا جعل الجباية تصلها من وراء النهر والمغرب والأقصى ، ويقال إن ابن خلدون أحصى الخراج أيام المأمون وحسبه بالإقليم أقليما إقليما ، فبلغ مجموعه ما يزيد عن الأربعمائة مليون درهم ! وفوق هذا فكان الخلفاء في صدر الدولة العباسية يمتلكون حرية التصرف بالأموال ! ويوظفون أمزجتهم في منح الهبات والأعطيات لرجالهم وحاشيتهم ومن راق لهم ! حسب ائتلاف الأرواح حينما تتعارف تتآلف وحينما تتناكر تتخالف !
ويا سعد من تآلفت روحه مع روح الحاكم أو الخليفة أو نسيب الحاكم ولكن دون التفكر بالنتائج ! وبذلك يصبح هؤلاء أصحاب دولة ومجد ويورثون المناصب والمال والمأوى المشهود لأبنائهم وأحفادهم ، هذا إذا كان لهم أبناء أو أحفاد أو حتى زوجات شرعيات …
وعند مراجعة أخبار بعض وزراء الدولة العباسية في سراج الملوك للطرطوشي ، نجد أن راتب الوزير في الدولة العباسية كان أضعاف راتب الوزير في الدولة الأموية ، وهو أضعاف راتب الحاكم في أيام الخليفة عمر بن الخطاب الذي كان في صدر الإسلام ستمائة درهم في الشهر ! ولم يكن هذا المال المرشوش على الحواشي والساكتين عن الفساد والمباركين للتراجع والخراب عن طريق الموارد الإنتاجية للبلح والتمر والجوز واللوز وصناعة القوارب والسفين …لا بل كان ممتصا من شريانات الشعب المعلوك المهلوك بوسائل العقوبات المضطردة بالمخالفات وضرائب وسبل الجباية المبتكرة والتي يخترعها المقربون المستفيدون من الحاكم وحواشيه ،و كان للمصادرة المالية من الشعب شأن كبير ! والمصادرة هي الجزية المركبة تحصل من الوزير والوزير يحصلها من الحكام ” العمال ” والحكام يحصلونها من الرعية .
ولو نظرنا إلى أخبار ما كان بعض الوزراء يقبضونه كتجليات خاصة من الخليفة لوجدنا أن طبقة من سائر الكبراء انتعشت على أرض الدولة وترسخت بلا سبب جوهري أو بطولي أو عظيم اقتصاد ! وإنما بعضها وأكثرها تم نتيجة ظروف ومواقف طارئة ، وغير معتمدة على كفاءات أو مؤهلات أو حتى مبررات ….ولكن ظل للخليفة هامش الخضوع للسلطة السرية الفوقية والتي تدير عقليته ضد موارد وثروات وحقوق أملاك الدولة …ويظل لهذه الإدارة الخفية وما هي بالخفية والتي تنفخه بالوعود …يظل لها حق السلب المباشر في أي وقت منه ومن أملاك دولته حيث تتراكم الديون لصالح السلطة السحرية وتنتفخ بالونات الاقتراض بذرائع الإنعاش والتنمية وتطويل النخيل على جوانب النسيم العليل …فيصدر القرار الفوقي للحاكم المحكوم أن يقتص من هؤلاء وله حق المنع والقمع وإغلاق مصالحهم بالشمع وذلك حسب تقييم وتأريخ مخطط السلطة السحرية الفوقية التي تتحكم بالحاكم وحواشيه المصطهجين بالحال وحشو الأموال !
وكثيرا ما تسخط السلطة الفوقية على اعوجاج حاشية وتأخير تنفيذ برنامج لواطي شعبي مثلا أو التغاضي عن مزارعين بذروا القمح وحصدوا وأطعموا الشعب من خير أرض الولاية … فيشتد الخليفة ضدهم وتأمره السلطة الفوقية بجلافة واحتقار بأن يفرغ سخطه عليهم فيقبض ضياعهم وأموالهم وينفيهم ! كمن يلعب بكرة من الثلج له أن يشكلها وله أن يرميها من بين كفيه الدافئتين ، فتذوب تلقائيا ولا تتحمل ” غلوة واحدة ” ويقال أن المتوكل سخط على محمد بن ابراهيم الذي كان عاملا ” حاكما ” في مصر ، وأراد
الانتقام منه لإيمانه بأنه يمتلكه ويمتلك مصيره ذلك لأنه منع اللواط وقضى عليه بالقانون وزج بالرجال اللواطيين المثليين في السجون واعتبر المراقص والدفوف ملهاة مبالغا بها للشعب وسن تعليمات للنقش والصناعة وأمر بالحفريات للبحث عن المدفون في أرض مصر ، وزاد على نيته بالانتقام أن أرسل اليه واحدا من لحمه ودمه ” الحسين بن اسماعيل ” ابن أخ محمد بن ابراهيم ، وطلب اليه أن يستخرج منه الأموال التي أعطاه اياها ، ويستعيد منه الضياع والأراضي ! وأمره بسجنه وتعذيبه حتى الموت مقابل ما استفاد وتمتع بتلك الاملاك والاموال! وفي التاريخ أمثلة كثيرة حول هذه المصادرات ! واعجب من ذلك ان الخليفة اي خليفة ، والذي كان يعطي كثيرا ويسمح بالعز والترف لوزيره او حاكمه ويغمره ويصنع له ملكا وقصرا واثاثا ويملكه مواقع الآمر الناهي .! كان يرى في طاعة الوزير العمياء والمكممة والمدفوعة الثمن ، فلسفة ( اللي ببلاش كثر منه ، أو إذا هبت رياحك فاغتنمها ) ويرى فيه سهولة الاحتقار والانتقام منه ، لأنه كان يسترخصه بقدر ما يهبش منه ويلهف ويراكم عقارات وأموال ! وهذا هو الدرس الذي كان يهبط عليه من القوة الفاعلة الخفية المتحكمة بمصير الحاكم فينفذ حرفيا ….

فكان يرصد له شعورا بالترصد والترقب للانتقام ومصادرة روحه قبل مصادرة امواله ! ربما لشعور الخليفة بأن المال الموهوب للحاكم او الوزير مال حرام او من دماء الرعية ! وما يحتاط له التاريخ في بطون الكتب ، او هؤلاء القابلين للاعطيات او الطالبين لها ، يكونون بالتأكيد قد استعدوا لبيع انفسهم مسبقا اعتمادا على المثل الشعبي القائل ” من اشتراك باعك ‍‍” وحينما نترجمه يصبح : اللي بيشتريك بيرجع ببيعك … ببيعك … ببيعك … ! والانكى ان هؤلاء يطلبون ويقبلون ويشيدون القصور ويودعون الأموال السهلة الآتية من الرياح وهم لا يتذكرون المثل القائل : ما أتت به الرياح تأخذه الزوابع !ويعيشون في مجتمعات لا تنحني للرياح اصلا لانها جافة كالاشجار الميتة جوعا وعطشا !‍.

وكما قال الفيلسوف الكبير راغب علامة ” لا تلعب بالنار بتحرق صابيعك … اللي بيشتريك … بيرجع ببيعك … ! ببيعك … ببيعك …
ببلاش إلا ربع …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى