من بيت راس إلى العقبة

نور نيوز -د/جواد العناني
لبيت قبل ثلاثة اسابيع دعوة كريمة من شباب بيت راس في شمال الاردن، لكي اشارك في ندوة مع ثلاثة من اعضاء مجلس النواب الذين يمثلون محافظة اربد. وقد وجدت منهم ترحيباً خاصا، ومع ان الحديث تركز على الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك عبدالله الثاني – الا ان النقاش والاسئلة انقسم بين الورقة النقاشية والوضع الاقتصادي.
وركز الكثير من الحاضرين على المدارس في بلدة بيت راس، وقالوا انه مضى عليهم سنوات وهم -حسب تعبيرهم- يستدرون عطف المسؤولين لتصليح الابنية المدرسية وتأهيلها، ولكن الاستجابة كانت معدومة حسب قولهم. وناشدوا نوابهم والعبد الفقير ان ابلغ المسؤولين بذلك. ولما جمعتني صدفة لاحقة بالدكتور عمر الرزاز وزير التربية والتعليم ابلغته الرسالة – ووعد بارسال وفد للاطلاع على المدارس وعمل اللازم.
وحيث انني لم اعد في الحكومة، توفرت لدي رفاهية المصارحة مع اهلي واخوتي من بيت راس، فقلت لهم اذا كان مضى على احوال المدارس غير المرضية سنوات، فلماذا لم تقوموا انتم بعمل شيء ما للمدارس التي يرتادها ابناؤكم وبناتكم؟ كم كانت ستكلف المدارس لو اشتريتم مواد بناء، او طلبتم بعضها تبرعاً، وطلبتم من شباب البلدة ان يقوموا بإصلاح مدارسهم؟.
وبدت الفكرة وكأنها جديدة. لقد كانت المدن والقرى في الاردن تقوم ببناء رأس المال الاجتماعي عن طريق تعاون الناس مع بعضهم البعض، فإذا عزم احدهم على بناء بيت يعقده بمادة الجير المطفأ (هيدروكسيد الكالسيوم)، تداعى جيرانه وأهله لمساعدته حتى ينجز العقدة بسرعة، إذ ان ترك المادة لتتجمد سيحدث شقوقاً في السطح يصعب اصلاحها، ومن دون ذلك التعاون ما انجز بناء كثير من المنازل قبل الاسمنت.
وقبل اسبوع دعيت الى افتتاح ديوان في العقبة، وحضر اللقاء اكثر من ثلاثماية شخص، وقد اشتكوا انهم يمثلون فئة مهمشة سياسياً واجتماعياً، رغم قولهم انهم ناشطون اقتصادياً واجتماعياً في المدينة. وطلبوا مني ان اشارك في الاجتماع التأسيسي لديوان لهم بكلمة القيها عليهم.
فبدأت الكلام من الاوراق الملكية النقاشية. وذكرتهم ان الاوراق هي برسم عقد اجتماعي جديد. وبموجبه يتصرف المواطن بفاعلية ومشاركة ايجابية في الحياة السياسية عن طريق اختيار ممثلين له يكونون فاعلين وامناء على مصالحه، وبوجود مجالس تمثيلية فاعلية، وبخاصة مجلس النواب، فإن مجالس الوزراء ستكون ايضاً فاعلة.
وذكرتهم ان الهوية الجامعة لنا في الاردن هي الهوية الاردنية، ولكن الاردن الذي رحب اهله بأكثر من 52 فئة جغرافية ودينية من اماكن اخرى، قد منحهم مظلته كهوية جامعة، وسمح لكل منهم ان يمارس عاداته وطاقاته ومعارفه في بناء البلد وضمن الحقوق والحريات التي يوفرها الدستور، وان لكل مواطن الحق في اختيار ممثليه .
وذكرتهم بأمر آخر وهو قرب اجراء الانتخابات اللامركزية والبلدية، فعليهم ان ينظموا حقوقهم، وان يحسنوا اختيار ممثليهم الفاعلين، اما الحرد والاستنكاف فهذا امر غير مقبول، ومن لا يشارك في ممارسة حقه الانتخابي، لا يلومن الا نفسه ان نجح من لا يراه الافضل للدفاع عن حقوقه، ومصالحه ونظرته الشاملة لمصلحة الوطن الاردن.
الاردني في بيت راس يرى انه مهمش من قبل الحكومات، ويريد مزيداً من الالتفات لهمومه، وآلامه. والاردني في العقبة يرى ان من يمثله في المجالس المنتخبة لا يمثله فعلياً.
هذه المشاعر بالاقصاء او التهميش لدى المواطنين، يجب ان تحوز على اهتمام المسؤولين، وعليهم ان يخاطبوا الناس، ويحاوروهم، والاردني طيب واصيل، وقادر على الفهم والتفهم، اما تركه بلا حديث، فسيؤدي به الى مبادلة الحكومات والنواب اهمالاً بإهمال.
دعم روح الانتماء، والايجابية، والمواطنة الفاعلة، هي مفتاح الخروج من الازمات الاقتصادية، وهي الحصن الذي يحول دون تسلل الغاوين والمفسدين في الارض الى صفوفنا، وهو الذي يجعل المواطن اكثر استجابة مع القانون.
لقد غلظنا العقوبات في قوانيننا خلال السنوات الاخيرة ، وعلينا الان ان نقيم الاستجابة لها سواء في النقل والسير، او في التعامل مع مصادر المياه، ام في التحطيب في الغابات او القاء الاخرى على الطريق. صحيح ان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ولأن صحة هذه القاعدة تقوم على الفرضية بأن الناس لديهم ما يخافون عليه.