عازفون عن المشاركة.. الجزائريون غير مهتمين بالانتخابات التشريعية.. وسجن الممتنعين أداة الحكومة للتشجيع على التصويت

رصدت العديد من التقارير الإعلامية علامات اللامبالاة وعدم الاهتمام بالانتخابات التشريعية، المقرر تنظيمها الخميس 4مايو/أيار 2017؛ وذلك بسبب الصورة السلبية التي تكونت حول البرلمان.
ويتوجه الناخبون الجزائريون، الخميس، إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في انتخابات تشريعية، يُنتظر أن يحافظ فيها حزب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحلفاؤه على الأغلبية، بينما الرهان الأهم بالنسبة للحكومة هو نسبة المشاركة.
“سمّع صوتك”
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، قامت الحكومة بحملة واسعة عبر وسائل الإعلام وفي المساحات الإعلانية للدعوة إلى التصويت تحت شعار “سمّع صوتك” من أجل “الحفاظ على أمن واستقرار البلاد”، كما طلبت من الأئمة في المساجد حثَّ المصلين على مشاركة كثيفة في الانتخابات.
وشارك بوتفليقة في حملة الدعوة إلى التصويت بقوة، بمناسبة انطلاق الاقتراع بالنسبة لنحو مليون جزائري في الخارج (763 ألف ناخب بفرنسا) السبت والأحد الماضيين، إضافة إلى الخميس.
ودعا في رسالة تُليت باسمه، الجزائريين للمشاركة في الانتخابات؛ لأنها “تسهم في استقرار البلاد” وطمأنهم إلى أن “المسؤولين والأعوان العموميين” المكلفين تنظيم الانتخابات، سيتحلّون بـ”الحياد التام”.
وتقول صحيفة صحيفة le point الفرنسية إنه سرعان ما طوع الجزائريون شعار “سمّع صوتك” وغيّروه بآخر يتلاءم أكثر مع وجهة نظرهم لعالم السياسة في الجزائر.
وعلى أثر ذلك، اجتاح شعار “بلّع فمك”، وهي عبارة باللغة العامية الجزائرية تعني “أغلق فمك”، موقع فيسبوك.
وقد سلط هذا الشعار التهكمي الضوء على التناقض الذي يطغى على حملة الانتخابات التشريعية.
وللدلالة على أن نسبة المشاركة قد تحدد إلى حد بعيد، نتائج الانتخابات المقبلة، حصل شريط فيديو أعده شاب جزائري ينادي بمقاطعة الانتخابات، على أكثر من مليوني مشاهدة في أقل من 3 أيام.
ويندد الشريط بعدم وفاء الحكومة بوعودها في الصحة والسكن والتعليم.
تهديد المقاطعين
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، سلكت أغلب الأحزاب الجزائرية منحى الحكومة ذاته، لجهة التركيز في الحملة الانتخابية التي دامت 3 أسابيع من دون أن تحظى باهتمام كبير من الجزائريين، على ضرورة المشاركة في عملية الاقتراع.
ودعا معظم رؤساء الأحزاب الستين المشاركة في الانتخابات، إلى تصويت كثيف.
وأعلن وزير الداخلية نور الدين بدوي، يوم 14 أبريل/نيسان، أن السلطات الجزائرية ألقت القبض على ناشط على موقع فيسبوك وقد تم تحويل ملفه إلى العدالة للنظر فيه. وتتمثل التهمة التي نُسبت إلى الشاب في إضافة تعديلات على صورة الشعار الرسمي للانتخابات التشريعية، الذي يدعو إلى المشاركة المكثفة، بحسب تقرير لصحيفة le point الفرنسية.
ومن جهتها، ذكّرت مصادر حكومية تحاورت معها الصحيفة، بنظام تحويل الأصوات في الانتخابات الجزائرية. كما أكدت هذه المصادر أن السلطات الجزائرية تعتزم تحديد قائمة الممتنعين عن التصويت.
وفي مرحلة تالية، ستعاقب الجزائر هذه المجموعة بمدة سجن تتراوح بين 3 أشهر إلى 3 سنوات، إضافة إلى غرامة مالية تتراوح قيمتها بين 6 آلاف و60 ألف درهم جزائري.
وتخشى السلطات الجزائرية أن تبلغ نسبة الامتناع عن التصويت نسباً عالية يوم الرابع من مايو/أيار المقبل.
3 تحديات
تحمل هذه الانتخابات التشريعية في طياتها 3 تحديات وقضايا رئيسية ستحدد مستقبل الجزائر على المدى القريب، بحسب تقرير لصحيفة le point الفرنسية.
1- إعادة الحياة السياسية لمجراها الطبيعي
وتتمثل أولى القضايا في تأكيد إعادة الحياة السياسية بالجزائر إلى مجراها الطبيعي، خاصة بعد الصدمة التي شهدتها البلاد إثر إعادة انتخاب بوتفليقة، غير القادر على القيام بمهامه الرئاسية.
2- إدماج المعارضة في إدارة الأزمة
أما القضية الثانية، فتنتظر الجزائر مهمة “إدماج” جزء لا يستهان به من المعارضة في عملية إدارة الأزمة الاقتصادية، المترتبة عن انخفاض سعر برميل النفط.
3- تشكيل حكومة وحدة
وفي مرحلة ثالثة، يتعين على الجزائر تشكيل “حكومة وحدة”، تضم جزءاً من “المعارضة الضرورية” التي تستجيب لمعايير ترضي الشعب. ومن ثم، ستهيئ النقطة الثالثة على وجه الخصوص الأرضية الملائمة لإدارة شؤون البلاد خلال مرحلة ما بعد بوتفليقة.
الإدارة الجماعية للكارثة
رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، قال إنه سيتحرك بكثافة للمشاركة في الانتخابات؛ كي لا يتحول غضب المجتمع إلى انقسامات.
وترى الصحيفة الفرنسية أن هذا الحزب الإسلامي، يتمثل هدفه غير المعلن في المشاركة في “حكومة الوحدة”، التي سيكون الهدف منها الحد من الاحتجاجات الاجتماعية المستقبلية.
وفي هذا الصدد، أشار رئيس جبهة التغيير، عبد المجيد مناصرة، إلى أنه “على الحكومة المقبلة أن تحتضن الحد الأقصى من القوى السياسية في البلاد”.
من جانب آخر، تخشى الجزائر أن تندلع احتجاجات اجتماعية عنيفة في نهاية المطاف. ولهذا السبب، قررت السلطات ترشيد الإنفاق وأعلنت عن بداية قيادتها إصلاحات سياسية واجتماعية. وجاء ذلك على خلفية تردي الوضع الاقتصادي بالجزائر، بعد تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ سنة 2014.
هل يمكن أن تجمع السلطة في الجزائر بين الأحزاب المهيمنة سابقاً والمعارضة؟
في هذا الإطار، قال الصحفي عثمان لحياني إن “النظام الجزائري يرغب في جعل المعارضة شريكاً موثوقاً به؛ بهدف التصدي للأزمة الاقتصادية والاجتماعية المقبلة. وسيكون ذلك من خلال توزيع الضغط الشعبي على المجتمع السياسي برمته”.
من ناحية أخرى، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، شريف إدريس، أنه “في حال فشل الحكومة الجزائرية، وهو أمر يتوقعه العديد من الخبراء، يمكن أن تستفيد السلطة الحاكمة من دعم المعارضة، وحكومة الوحدة الوطنية، خلال قيادتها لسياسات عنيفة ضد الشعب الثائر”. وأضاف: “لقد أيقنت السلطة في الجزائر أن المعارضة (ضرورية)، ومن شأنها أن تضفي مصداقية على سياستها، لذلك تعتبر الخيار الأفضل للأحزاب، التي تُحكم قبضتها على دواليب الحكم منذ زمن طويل، والتي تشوه السلطة بتجاوزاتها ورداءة قيادتها”.
وفي المقابل، نوه أحد قادة جبهة التحرير الوطني إلى أن “الهدف من هذه الخطوة هو تعزيز توافق في الآراء حول السيناريوهات المحتملة لمرحلة ما بعد بوتفليقة”. ويضيف المصدر نفسه قائلاً: “إن اختيار شخص الرئيس القادم يحتاج إلى غالبية عظمى في البرلمان، أو إلى ائتلاف أحزاب تضفي الشرعية على الرئيس في وقت لاحق”. وفي جميع الحالات، يبقى أمام السلطات مهمة إعادة تشكيل ملامح الحياة السياسية في ظل مناخ يغيب فيه وجود الرئيس الشبح عن الساحة”.
وترى الصحيفة الفرنسية أنه في النهاية سيقرر مصير الجزائر في المستقبل احتمالان اثنان: إما إعادة ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وهو احتمال يردده بعض المقربين منه، وإما تعيين خليفة له من قِبل البرلمان المطيع بالتشاور مع حكومة “الوحدة الوطنية”، وهي فرضية تتردد في أرجاء القصر الرئاسي.
وانطلاقاً من هذه المعادلة، سيتحتم على المعارضة الانصياع لإرادة صنّاع “قرار الخلافة”. وفي هذه الحالة، سوف تتخلى المعارضة عن مطالبها الديمقراطية وستطغى حجة الاستقرار والسلام السياسي والاجتماعي. وفي حال لم تنجح الفرضية الأولى، فمن الممكن أن تتواصل فترة حكم الرئيس “ّالشبح”.
البرلمان الجزائري
ويتشكل البرلمان الجزائري من غرفتين؛ المجلس الشعبي الوطني ويضم 462 نائباً يتم انتخابهم كل 5 سنوات بالاقتراع السري المباشر في دورة واحدة، ومجلس الأمة الذي يتم اختيار أعضائه بالاقتراع غير المباشر بالنسبة للثلثين، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث الأخير.
ويشارك في الانتخابات 12 ألف مرشح موزعين على نحو 1000 قائمة. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين 23 مليوناً ناخباً من 40 مليوناً هو عدد سكان البلاد، نسبة 45% منهم من النساء، حسبما أعلنت الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات.
وتجري الانتخابات في وقت يبقى بوتفليقة (80 سنة) منذ 5 سنوات شبه غائب عن الأحداث العلنية، بسبب تعرضه لجلطة دماغية أقعدته وأضعفت قدرته على الكلام. وكان وعدَ في آخر خطاب له بإجراء إصلاحات سياسية وبتسليم المشعل للشباب.