أبنــاء الــوزراء والرؤســاء

نور نيوز –
د.جواد العناني
يحتج الناس كثيراً على أن أبناء المسؤولين من وزراء ورؤساء وزراء يأخذون مراكز متقدمة في الدوائر الحكومية والأجهزة الواقعة تحت سيطرتها، خاصة إذا أشهرت الحكومة في وجه طالبي الوساطة لأبنائهم وبناتهم سيف العدالة، أو اللجان المختصة التي تنسب بالتعيينات، أو إذا صرحت انها على المسافة نفسها من كل ابناء الشعب، وبناته.
ويشعر المسؤول، وكنت يوماً واحداً منهم، أن ابناءه قد يظلمون لأن تعيينهم في اي مكان قد ينطوي على استفزاز لمشاعر الناس. وإذا كان المسؤول واثقاً من قدرات ابنه أو ابنته، فإنه سيعاني من عتب الضمير لأنه بعدم تعيين فلذة كبده يكون فضل مصلحته على مصلحة ابنه.
ومما يزيد الوضع إحراجاً للمسؤول الكبير، بسبب أن أبناءه قد يحصلون على تعليم وتأهيل ممتاز بفضل البيئة التي يحيونها، وبسبب التعليم المتميز الذي يحصلون عليه، ولهذا، فهم في أغلب الاحيان مؤهلون لوظائف هامة، وقادرون على المنافسة فيها.
ولكن الناس لديهم كل الحق ان يحتجوا. ونحن نستذكر هنا حديث الرسول عليه السلام «رحم الله امرأً جبّ الغيبة عن نفسه». وأينا ذلك الشخص الذي لا يحب أبناءه، ولا يحب مصلحتهم. ولذلك، إن يتنازع المسؤول عاطفتان : عاطفة الأبوة وحقها في الدفاع عن ابنائها من ناحية، وعاطفة الشفافية وابعاد الشبهة خاصة في زمن صعب يكون المسؤول فيه بحاجة إلى اتخاذ قرارات صعبة.
ولقد ترأس صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني اجتماعاً ليبحث فيه الخطوات المطلوبة لإصلاح القطاع العام باعتباره مساراً استراتيجياً. ونبه إلى ضرورة تنفيذ كل مسؤول لخطط تطوير الأداء الاقتصادي والخدمي للدوائر العامة. وحذر من أن كل مسؤول سيكون خاضعاً للمساءلة عن الالتزام بهذا البرنامج الاصلاحي.
ويشير جلالته إلى المقاومة الطويلة التي صادفت تنفيذ برنامج الحكومة الإلكترونية. وقد خلق بعض المسؤولين ثقافة مقاومة لكل ما هو الكتروني أو ديجيتالي، ولكن هؤلاء لم يقصدوا معارضة الحكومة الإلكترونية، بل كانوا يتحدثون عن الجيل الجديد من المسؤولين الذين يهتمون بالآلة والوسيلة أكثر مما يهتمون بالناس وبالمحتوى.
لقد دعا جلالته إلى التركيز على اقتصاد المعرفة. ونحن نعلم أن هذا الأمر هو سر نجاح الاردن الاقتصادي، ومكمن مستقبله التنافسي، ولكن دعونا نتأمل قليلاً.
لدينا مشكلة مياه تبدأ من الكميات المتاحة، ومصادر المياه وشبكاتها، والطاقة التي تستهلكها، والاعتداءات على الشبكات، ومياه التنكات، وجودة المياه. وهذه كلها تشكل قضايا ستكون التكنولوجيا الحديثة قادرة على المساهمة في حلها. وأكاد أجزم أن الأردنيين قادرون على وضع حلول لها يمكن ان تصبح نفسها خدمات وبرامج قابلة للبيع في كل أنحاء الدنيا.
ولننظر إلى الزراعة، وإنتاجها، ونوعيته، وأسلوب تعبئته، والرزنامة الزراعية، وإمكانات التصدير، واستخدام المبيدات، ونظام توزيع الأرض، واستخدامات المياه، والآليات المطلوبة والأيدي العاملة فيها. لو أدخلنا التكنولوجيا والمعرفة إلى هذا القطاع، فهل نستطيع رفع انتاجيته، وتحسين انتاجه، ودخول أسواق جديدة، وخلق صناعات زراعية؟ الجواب هو بالإيجاب.
وعندما نتحدث عن قطاع النقل ومشكلاته، ونظام المرور، وحوادث السير، ومتابعة المخالفين، وتطوير الوسائل واحداث نقل منتظم ووضع أسس جديدة لبناء الطرق والمحطات والاستراحات، وتنظيم الخطوط وغيرها، فهل يستطيع حل هذه المشكلة، وجعل النقل المعطّل لإنتاجية الاقتصاد وسيلة لزيادة تلك الانتاجية؟ الجواب نعم.
إذا كنا بحاجة لهذا التطوير في كل القطاعات الاخرى كالسياحة، والصناعة، والتجارة، والأشغال، والطاقة، والخدمات الاجتماعية، والتعليم والصحة، فمن الذي سيقوم بهذا العبء ويشرف عليه؟
هل هي حكومة لا تزال تستخدم الدّمغة وقلم الكوبيا والآلة الحاسبة والورق، أم حكومة لها مناهج مبرمجة، تساهم في اتخاذ قرارات محايدة لا مواربة فيها ولا تحيز؟
غياب الإصلاح الإداري يجعل الحكومة تدفع رواتب وتقاعد تفوق 60% من كامل نفقاتها. فماذا نحن نجني بالمقابل؟
هذه الإصلاحات تتطلب من كبار المسؤولين العض على اصابعهم، والتغاضي عن مصالح أبنائهم. إذا كان أبناؤهم متميزين فليثبتوا جدارتهم خارج إطار المؤسسات الرسمية وشبه الحكومية .